سورة يوسف - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


وهذه محنة يوسف الثانية: لقد افتتنت امرأة العزيز بجماله، فأَشعل ذلك في نفسها جذوة الحب، فراودته عن نفسه، فأبى، وحاولت اغراءه بشتّى الطرق، حتى همت عن المعصية والخيانة، وثبت على طُهره وعفافه. بذلك صرف الله عنه سوء الخيانة والمعصية وظل هو من عباد الله الذين أخلصوا دينهم له.
وهرب منها.. فلحقت به عند الباب، وتعلقت بقميصه فشقته من خَلف. وفي تلك الأثناء جاء سيّدها. وصادف الحادث وهو يهمُّ بالدخول ومعه ابن عمها. فملا رأت زوجها ارادت ان تشفيَ غُلَّ صدرها وحنقها على يوسف لما فاتها من التمتع به، فقالت لزوجها: {مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
لقد أرادت ان توهم زوجَها أن يوسف قد اعتدى علهيا، وطلبت منه ان يسجنه أو يعذّبه عذابا اليما. وهنا وقف يوسف وجهر بالحقيقة في وجه الاتهام الباطل، فقال: {هِيَ روادتْني عن نفسِي} لا أنا الذي فعلت. لقد حاولتْ ان تخدعني وتوقعني في المعصية. فقال ابن عمها: إن كان قميصه شُقّ من أمام، فقد صدقت وهو من الكاذبين، وان كان فميصه شُقّ من الخلف، فقد كذبت في قولها، وهو من الصادقين.
فلما رأى الزوج قميص يوسف تمزّقَ من خلْفٍ، قال لزوجته: إن اتهامك له باطل، وما الأمر الا من كيدكن معشر النساء، إن كيدَكن عظيم.
ثم التفت إلى يوسف، وقال له: يا يوسف، أعرِض عن هذا الأمر، اكتمه ولا تذكره أبداً. وقال لزوجته: اما انتِ فاستغفري لذنبك من هذا العمل الخطأ.
وانتهى الامر إلى هنا، ولم يوقع العزيزُ أية عقوبة على يوسف، لتأكده من براءته.
قراءات:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب: {المخلصين} بكسر اللام والباقون: {المخلَصين} بفتح اللام كما هو في المصحف.


فتاها: عبدها قد شغفها حبا: شغاف قلبها، والشغاف: حجاب القلب الذي يغشّيه. وأعتدت لهن متكأ: وهيأت لهن مجلسا مريحا فاخرا. وأكبرنه: أعظمنه ودُهِشْنَ من جماله. وقطّعن ايديهنّ: جرحن أيديهن من فرط الدهش. حاش لله: تنزيها له استعصم: عفّ وامتنع عن المعصية. أصبُ اليهن: أمِلْ اليهن.
شاع نبأ حادثة امرأة العزيز وفتاها في ارجاء المدينة، ولاكته افواه النساء، وشرعن يَلُمْنها على فعلتها. وبلغ ذلك امرأة العزيز فأخذت تكيد لهن حتى يَعْذُرنها. وهكذا ارسلت الدعوة إلى طائفة من نساء عليه الوقم، وأعدّت لهن مجلساً من الوسائد والنمارق وقدّمت اليهن طعاماً، وأعطت كلاً منهن سكّينا تقشر بها الفاكهة. وحين اتخذْن مجالسهم قالت ليوسف: اخرج عليهن. فلما رأينه بهرنّ جماله، وألهاهن عن تقطيع الطعام والفاكهة، وجرحن أيديهن من فرط الدهشة والذهول، واعلنَّ لذلك الجمال، حتى قلن {حاش الله، ما هذا بشراً إن هذا الا مَلَك كريم}.
حنيئذ باحت لهن امرأة العزيز بحبها ليوسف، وقالت: إن هذا التفى الذي بهركنّ حُسنه، هو الذي لمنَّني في شأنه، {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} وحاولت إغراءه، لكنه امتنع وعف، {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن الصاغرين} وان لم يقبل فانه سيُسجن ويكون من الاذلة المقهورين. ولما سمع يوسف هذا التهديد والوعيد قال: يا رب، السجنُ احبُّ إلى نفسي مما يطلبنه مني، وان لم تُبعِدْ عنّي شرَّهن، أمِلْ إلى موافقتِهن، وأقعْ في شباك مكرهنّ، {وأكنْ من الجاهلين} الذين تستخفُّهم الاهواء والشهوات.
فاستجاب له ربه، فصرف عنه شرّ مكرهن، انه هو السميع لدعاء من تضرّع اليه، العليم بصدق إيمانه.
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِينٍ}.
ولما فشت الفضحية في الناس، رأى العزيز ان يصدّع أمر زوجته ويسجنه، وبذلك كيفّ ألسنة الناس عنه وعن زوجته ويخلصُ من العار. كانت الدلائل كلها تشير إلى براءة يوسف وعفته وطهارته، ولكن امرأة العزيز المتغطرسة أمرت بالسجن، وزوجها نفّذ ذلك.
قراءات:
قرأ أبو عمرو ونافع: {حاشا} بالالف. والباقون: {حاش} بدون الف.


وهكذا، دخل يوسف السجنَ ظلماً، وهذه هي المحنة الثالثة والأخيرة من محن الشدة في حياة يوسف، فكل ما بعدها رخاء.
ودخل معه السجنَ فَتَيان، كان أحدهما رئيس الخبازين عند الملك، والثاني رئيسَ السقاة. وقد سُجنا لخيانة نُسبت اليهما كانت ستودي بحياة الملك.
وبعد أن استقر يوسف في السجن ظهر أمره للناس، وانه يختلف عن السجناء الآخرين. وفي ذات يوم جاءه صاحب شراب الملك واخبرنه انه رأى في منامه انه يعصر خمراً للملك، وجاءه الخباز وقال له: إني رأيتُ فوق رأسي طبقاً من الخبز تأكل منه الطيور، وطلبا اليه ان يفسر لكل واحد منهما ما رأى في منامه.
فانتهز يوسف هذه الفرصةَ ليُعلنَ لهم دِينَه ويدعوهم اليه، وقال لأهل السجن ينبئهم بمقدرته على تأويل الرؤيا: لن يأتيكما طعام الا نبأتكما بشأنه.
كل ذلك مما علّمني ربّي. ثم أضاف: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ}.
إني برئت من ملّة مَن لا يصدّق بالله ولا يقر بوحدانيته، ويعبد عدداً من الآلهة لا تضرّ ولا تنفع، لأن هؤلاء الناس يكفرون بالآخرة والحساب والجزاء. وبدلاً من ذلك، أجدُني اتبعتُ ملّة آبائي الذين دعوا إلى التوحيد الخالص وهم: إبراهيم وإسحق ويعقوب.
ثم بيّن أساس الملّة التي ورثها عن آبائه الكرام بقوله: {مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ}؟
وذلك كلّه من فضل الله علينا أهل بيت النبوة، {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8